هل يسأل الموظف عن اخطائه السابقة و التالية علي شغل الوظيفة ؟

0
1151
هل يسأل الموظف عن اخطائه السابقة و التالية علي شغل الوظيفة ؟
هل يسأل الموظف عن اخطائه السابقة و التالية علي شغل الوظيفة ؟

هل يسأل الموظف تأديبيا عن أخطائه السابقة علي شغل الوظيفة ؟!

إن المنطق و القانون و العدل كل أولئك يحتم الإجابة بالنفي : فعدم رجعية القوانين بصفة عامه ، و تلك التي تتضمن عقوبة بصفة خاصة ، لا يستند إلي مجرد مبادئ القانون و النصوص الدستورية ، بل أنه مبدأ أخلاقي توجبه العدالة ، و إستقرار الأوضاع و لهذا فإن القاعدة المستقرة في الدول المتحضرة تقضي بتحريم رجعية القوانين العقابية .

و من ناحية ثانية فإن التأديب يستند إلي المركز الوظيفي ، فكيف يحاسب الموظف عن أمور نسبت إليه قبل أن يسند إليه ذلك المركز ، وقبل أن يلتزم بإحترام واجباته و تكاليفه ؟!

ومع ذلك فقد وجدنا إشارات عابرة في بعض المراجع الفرنسية التي عالجت موضوع التأديب تذكر أنه من الممكن محاسبة الموظف تأديبيا عن أمور إرتكبها قبل التحاقه بالخدمة .

فالأستاذ “آلان بلانتي” يقول في مطولة في الوظيفة العامة ، أن القضاء يعتبر من الأخطاء التأديبية الأمور التي يرتكبها الموظف قبل التحاقه بالعمل إذا كانت مما يتعارض مع واجبات الوظيفة .

ولا شك أن في الأمر لبساً يقتضي التوضيح : أن تعيين الموظف او العامل يقتضي لسلامته توافر بعض الشروط المتعلقة بالسن ، و الصحة ،و الثقافة ،و الجنسية ، وحسن الخلق …إلخ مما تعالجه الكتب المتخصصة . فإذا عينت الإدارة أحد الموظفين مع تخلف أحد هذة الشروط ، و لو كان ذلك لسبب يرجع إلي الموظف ، كأن أخفي بعض البيانات ، ثم إكتشفت ذلك بعد تعيين الموظف ، فإن الأمر في هذة الحالة يتعلق بمدي صلاحية الموظف للبقاء في الوظيفة ،لا أمر تأديب موظف .

فإن كان الشرط المتخلف يجعل الموظف غير صالح للإستمرار في الخدمة ، كحسن السمعة ، أو الجنسية ، أو المؤهل المطلوب ..إلخ ، فإن لإدارة أن تسحب قرار التعيين استناداً إلي غش الموظف ، و المسلم به أن الغش يفسد كل شئ ، ولا يستقر معه القرار الإداري مهما طالت المدة . أما إذا كانت الواقعة التي أخفاها الموظف لا تؤثر في صحة قرار التعيين ، فإن الإدارة لا تستطيع أن تقدم الموظف بسببها إلي مجلس تأديب .

و لا يمكن تصور محاسبة الموظف عن أعمال إرتكبها قبل شغل منصبه إلا في حالة واحدة ، وهي أن يكون موظفت سابقا ، ترك عمله لأي سبب من الأسباب ، ثم التحق بخدمة الإدارة في وظيفة جديدة ، ثم إكتشف الخطأ الذي إرتكبه في الوظيفة القديمة . فحينئذ ، إذ لم تكن الدعوي قد تقادمت ، فإن من حق الجهة التي يتبعها أن تقدمه للتأديب عن العمل السابق.

 

هل يسأل الموظف تأديبياً عن أعماله التالية لترك العمل ؟

الأصل هنا ايضاً أن الإجابة بالنفي ، وهو المعني الذي أكدته المحكمة الإدارية العليا حيث يقول :”الأصل في التأديب أنه مرتبط بالوظيفة ، بحيث إذا إنقضت رابطة التوظيف لم يعد للتأديب مجال “. ثم أشارت المحكمة الإدارية العليا إلي الحكم الذي يعتبر إستثناء من هذة القاعدة و الذي إستحدثه المشرع بمقتضي القانون رقم 73 لسنة 1957 ، فإن الإستثناء مقصور علي الموظفين العمومين ، إذ لم يرد نص يفيد سريانه علي موظفي الشركات الخاضعين لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 ، ولما كنا بصدد محاكمة موظف علي المعاش ، أي خارج رقابة الدولة و سلطاتها ، فإن هذا الوضع يتطلب إختيار عقوبات معينة تتفق مع الظروف التي تلائمه . ولهذا فإن المشرع يتدخل بنصوص خاصة لتحديد العقوبات التي يمكن توقيعها علي من تركوا الخدمة ، و هو ما فعله المشرع المصري في المادة 102 مكرراً ثانياً من القانون رقم 210 لسنة 1951 و المادة 67 من القانون 46 لسنة 1964 و المادة 64 من القانون رقم 58 لسنة 1971 و المادة 88 من القانون رقم 47 لسنة 1978 .

وتتجلي فائدة هذا الحكم في أنه يسد ثغرة مؤكدة في النظام الوظيفي :

-فالمصلحة العامة تقضي في كثير من الأحيان بتحميل بعض الموظفين بواجبات تلاحقهم حتي بعد ترك الخدمة ، تحقيقاً للصالح العام . ومن أوضحها ما ورد النص عليه في الفقرة الثامنة من المادة 77 من القانون رقم 47 لسنة 1978 من إلزام العاملين بعدم إفشاء الأمور السرية التي إطلعوا عليها بحكم عملهم حتي بعد ترك الخدمة . فمثل هذا الإلزام يبدو غير ذي موضوع إذا لم يمكن محاكمة الموظف المحال علي المعاش تأديبياً . ولقد كان هذا الإلتزام مقصوراً علي العاملين الحكوميين ، ولم يرد له مقابل بالنسبة للعاملين في القطاع العام . إلا أن المشرع قد وضع ذلك في الاعتبار وضمن القانون رقم 48 لسنة 1978 ذات الإلزام بالنسبة للعاملين في القطاع العام في الفقرة الاولي من المادة 79 .

-إذا حركت الإجراءات التأديبية ضد الموظف أو العامل ، و إستطالت إلي ما بعد بلوغه سن التقاعد ،فإن عدم وجود مثل الحكم المشار إليه يؤدي إلي وقف إجراءات المحاكمة التأديبية ، وهو ما يفقد الإجراء التأديبي قيمته .

-وأخيراً فإن ثمة إحتمالاً بألا تكتشف الجرائم التأديبية ولاسيما ذات الطبيعة المالية منها ، إلا بعد مرور وقت طويل ، وحينئذ قد يكون بعض المسئولين عنها قد تركوا الخدمة لسبب أو لاخر . وليس من المصلحة تركهم بلا جزاء ، في حين إن زملاء لهم قد يحاكمون و يعاقبون عن ذات الأفعال .

هذا وقت أفتت الجمعية العمومية للقسم الإستشاري بمجلس الدولة بأنه إذا التحق العامل بخدمة شركة عامة ثانية ، بعد إنقطاع صلته بالشركة الأولي ، فإنه يمكن في هذه الحالة محاكمته تأديبياً عن الأخطاء التي إرتكبها في الشركة الأولي ، لأن مساءلة العامل في هذة الحالة قد أصبحت حقاً من حقوق الدولة ، وتمس مصلحتها مباشرة . ومن ثم فإنها تستطيع ممارسة هذا الحق في مواجهة العامل ، لأن تركه الخدمة بالجهة الأولي ، ليس من شأنه أن يسبغ المشروعية علي ما إرتكبه من مخالفات في تلك الجهة ، وكل ذلك مشروط بألا تكون المخالفة قد تقادمت بمرور المدة المحددة تشريعياً .